ظاهرة الخوف من الغيبيات وعلاجها بالتنفس التأملي
Fatima Al Ketbi
Table of Contents
ظاهرة الاحتراق الوظيفي وعلاجها من خلال التنفس
في عالمنا تتسارع وتيرة الحياة وتتزايد متطلبات العمل بشكل مستمر، ليصبح الاحتراق الوظيفي ظاهرة متفشية تؤثر على ملايين الموظفين حول العالم، هذه الحالة النفسية والجسدية المرهقة لها تأثيرات عميقة تتجاوز حدود مكان العمل لتطال جميع جوانب حياة الفرد، في هذه المقالة، سنغوص في أعماق ظاهرة الاحتراق الوظيفي، و دور التنفس في مواجهتها وعلاجها.
1- الاحتراق الوظيفي
الاحتراق الوظيفي ليس مجرد حالة من الإرهاق العابر أو الشعور بالإحباط المؤقت، إنه حالة نفسية وجسدية معقدة تتطور ببطء عبر الزمن، متغلغلة في أعماق النفس والجسد، يتجلى الاحتراق الوظيفي في ثلاثة أبعاد رئيسية:
- الإرهاق العاطفي والجسدي العميق.
- الانفصال الذهني والعاطفي عن العمل.
- انخفاض الشعور بالإنجاز والكفاءة المهنية.
من المنظور النفسي، يمكن فهم الاحتراق الوظيفي كنتيجة لعدم التوازن المزمن بين متطلبات العمل والموارد النفسية للفرد، عندما تتجاوز هذه المتطلبات قدرة الفرد على التكيف والاستجابة بشكل مستمر، يبدأ العقل في الدخول في حالة من الإرهاق المزمن، هذا الإرهاق ليس مجرد تعب جسدي، بل هو استنزاف عميق للموارد العاطفية والمعرفية للفرد.
اجتماعياً، يعكس الاحتراق الوظيفي تحولات عميقة في طبيعة العمل في العصر الحديث، مع زيادة الضغوط التنافسية، وتسارع وتيرة التغيير التكنولوجي، وتلاشي الحدود بين العمل والحياة الشخصية، أصبح الموظفون يواجهون تحديات غير مسبوقة في الحفاظ على التوازن والصحة النفسية، هذه التحديات لا تؤثر فقط على الأفراد، بل تمتد آثارها لتشمل المجتمع ككل، مؤثرة على العلاقات الأسرية، والإنتاجية الاقتصادية، وحتى الصحة العامة للمجتمع.
2- أسباب الاحتراق الوظيفي
الاحتراق الوظيفي ليس وليد لحظة أو نتيجة لعامل واحد، بل هو ثمرة تفاعل معقد بين عوامل شخصية، مهنية، وبيئية متعددة، فهم هذه العوامل بعمق يساعدنا على إدراك تعقيد الظاهرة وتطوير استراتيجيات أكثر فعالية لمواجهتها.
الضغوط النفسية:
الضغوط النفسية المزمنة تمثل أحد الأسباب الرئيسية للاحتراق الوظيفي، هذه الضغوط ليست مجرد أحداث منفصلة، بل هي حالة مستمرة من التوتر والقلق الناتجة عن عوامل متعددة في بيئة العمل، قد تشمل هذه العوامل عبء العمل الزائد، غموض الأدوار الوظيفية، الصراعات في مكان العمل، أو عدم التوازن بين متطلبات العمل والحياة الشخصية، مع مرور الوقت، تؤدي هذه الضغوط إلى استنزاف تدريجي للموارد النفسية والعاطفية للفرد، مما يمهد الطريق للاحتراق الوظيفي.
السعي وراء الكمال:
هو سمة شخصية شائعة بين المهنيين الطموحين، يمكن أن يكون سلاحاً ذا حدين، بينما قد يدفع الفرد نحو التميز والإنجاز، فإنه أيضاً يضع عبئاً ثقيلاً على النفس، الكماليون غالباً ما يضعون لأنفسهم معايير غير واقعية، مما يؤدي إلى دورة لا تنتهي من الضغط والإحباط، هذا السعي المستمر وراء الكمال يمكن أن يؤدي إلى استنزاف الطاقة العاطفية والذهنية، ويجعل الفرد أكثر عرضة للاحتراق الوظيفي.
الإحساس المفرط بالمسؤولية:
وهو عامل آخر يساهم بشكل كبير في الاحتراق الوظيفي، بينما يعتبر الشعور بالمسؤولية أمراً إيجابياً في حد ذاته، فإن المبالغة فيه يمكن أن تؤدي إلى تحمل أعباء تفوق قدرات الفرد، هذا الإحساس المفرط بالمسؤولية غالباً ما يرتبط بصعوبة في تفويض المهام، والميل إلى تحمل مسؤوليات إضافية حتى عندما تكون خارج نطاق الدور الوظيفي الأساسي، مع مرور الوقت، يؤدي هذا إلى تراكم الضغوط وزيادة خطر الاحتراق.
عدم الإيمان في القدرات الذاتية:
يمثل جانباً نفسياً عميقاً في مسألة الاحتراق الوظيفي، هذا الشك الذاتي يمكن أن ينبع من تجارب سابقة، أو من بيئة عمل لا توفر الدعم الكافي، أو من معتقدات شخصية عميقة الجذور، عندما يفتقر الفرد إلى الثقة في قدراته، فإنه يميل إلى بذل جهد أكبر للتعويض عن هذا الشعور، مما يؤدي إلى استنزاف إضافي للطاقة والموارد النفسية، كما أن هذا الشك الذاتي يمكن أن يؤدي إلى تجنب التحديات أو فرص النمو، مما يعزز دورة الإحباط والشعور بعدم الكفاءة.
3- التنفس في مواجهة الاحتراق
يمكننا اعتبار التنفس كأداة بسيطة ولكنها قوية في مواجهة الاحتراق الوظيفي، التنفس، هذه العملية الحيوية التي نقوم بها دون وعي آلاف المرات يومياً، يمكن أن يكون مفتاحاً لإعادة التوازن النفسي والجسدي عند استخدامه بوعي وتركيز.
من الناحية الفسيولوجية:
يلعب التنفس دوراً محورياً في تنظيم الجهاز العصبي، التنفس العميق والمنتظم يحفز الجهاز العصبي الباراسمبثاوي، المسؤول عن استجابة الاسترخاء في الجسم، هذا التحفيز يؤدي إلى سلسلة من التغييرات الفسيولوجية: انخفاض معدل ضربات القلب، تباطؤ التنفس، انخفاض ضغط الدم، وتقليل إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، هذه التغييرات مجتمعة تساعد في كسر دورة التوتر المزمن التي تغذي الاحتراق الوظيفي.
من الناحية النفسية:
يعمل التركيز على التنفس كشكل من أشكال التأمل، مما يساعد على تهدئة العقل وتقليل تدفق الأفكار السلبية والقلق، هذا التركيز يخلق مساحة ذهنية تسمح للفرد بالانفصال مؤقتاً عن مصادر التوتر، مما يوفر فرصة لإعادة تقييم الموقف بموضوعية أكبر، كما أن ممارسة التنفس الواعي بانتظام يمكن أن تعزز الوعي الذاتي، مما يساعد الفرد على التعرف المبكر على علامات الإجهاد والتوتر قبل أن تتطور إلى حالة احتراق كاملة.
الأستاذة فاطمة الكتبي، لايف كوتش ومدربة تنفس متخصصة، تؤكد على أهمية التنفس في مواجهة الاحتراق الوظيفي قائلة: "التنفس هو الجسر الطبيعي بين العقل والجسد، من خلال التحكم الواعي في أنماط تنفسنا، نستطيع التأثير بشكل مباشر على حالتنا النفسية والفسيولوجية، هذه القدرة تجعل من التنفس أداة قوية في مواجهة الاحتراق الوظيفي، حيث يمكننا استخدامه لتهدئة الجهاز العصبي، وتحسين التركيز، وإعادة الاتصال مع أنفسنا في لحظات الضغط الشديد".
4- التنفس كاستراتيجية شاملة لمكافحة الاحتراق الوظيفي
إن النظر إلى التنفس كاستراتيجية شاملة لمكافحة الاحتراق الوظيفي يتجاوز مجرد اعتباره تقنية للاسترخاء، بل هو نهج متكامل يدمج الوعي بالتنفس في جميع جوانب الحياة المهنية والشخصية، هذا النهج يتضمن تطوير وعي عميق بأنماط التنفس الشخصية، وكيفية تغيرها استجابة للضغوط المختلفة، واستخدام هذا الوعي كأداة للتنظيم الذاتي والتكيف مع تحديات العمل.
في سياق العمل، يمكن دمج التنفس الواعي في الروتين اليومي كوسيلة لإدارة الضغوط بشكل استباقي، على سبيل المثال، يمكن للموظفين استخدام فترات قصيرة من التنفس العميق بين المهام الصعبة، أو قبل الاجتماعات المهمة، لتهدئة العقل وتحسين التركيز، هذه الممارسة المنتظمة تساعد على بناء مرونة نفسية تمكن الفرد من التعامل بشكل أفضل مع الضغوط اليومية، مما يقلل من خطر تراكمها وتحولها إلى حالة احتراق.
علاوة على ذلك، يمكن استخدام التنفس كأداة للتأمل الذاتي وزيادة الوعي بالحالة النفسية والجسدية، من خلال التوقف بانتظام للتركيز على التنفس، يمكن للفرد أن يكتسب فهماً أعمق لمستويات التوتر لديه، وتحديد الأنماط والعوامل التي تساهم في الإجهاد، هذا الوعي المتزايد يمكن أن يساعد في اتخاذ قرارات أكثر وعياً فيما يتعلق بإدارة الوقت، وتحديد الأولويات، وطلب المساعدة عند الحاجة.
5- دور التنفس والوعي
مواجهة الاحتراق الوظيفي بفعالية تتطلب نهجاً شاملاً يتجاوز الجهود الفردية ليشمل تغييرات على مستوى المؤسسة ككل، إن خلق ثقافة تنظيمية تدعم الصحة النفسية وتقدر أهمية التوازن بين العمل والحياة الشخصية هو أمر ضروري للحد من انتشار الاحتراق الوظيفي. في هذا السياق، يمكن للتنفس أن يلعب دوراً محورياً كأداة لتعزيز الوعي الذاتي والجماعي داخل المؤسسة، يمكن للمنظمات تبني برامج تدريبية تركز على تقنيات التنفس والتأمل كجزء من استراتيجيات إدارة الضغوط، هذه البرامج لا تقتصر فائدتها على تعليم الموظفين تقنيات الاسترخاء فحسب، بل تساهم أيضاً في خلق ثقافة تقدر الصحة النفسية وتشجع على الاهتمام بها. إدماج ممارسات التنفس الواعي في الروتين اليومي للعمل يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على المناخ التنظيمي ككل، على سبيل المثال، يمكن بدء الاجتماعات بدقيقة من التنفس الواعي الجماعي، مما يساعد على تهيئة جو من الهدوء والتركيز، كما يمكن تخصيص مساحات في مكان العمل للتأمل والاسترخاء، حيث يمكن للموظفين الانسحاب لبضع دقائق لممارسة التنفس العميق عند الشعور بالتوتر. الأستاذة فاطمة الكتبي تشدد على أهمية هذا النهج قائلة: "عندما تتبنى المؤسسات ثقافة تدعم الممارسات الواعية مثل التنفس، فإنها لا تقوم فقط بتحسين صحة موظفيها النفسية، بل تخلق أيضاً بيئة عمل أكثر إنتاجية وإبداعاً، التنفس الواعي يساعد على تحسين التواصل، وتقليل الصراعات، وزيادة التعاطف بين أفراد الفريق". علاوة على ذلك، يمكن للقادة والمديرين أن يلعبوا دوراً هاماً في تعزيز هذه الثقافة من خلال تبني هذه الممارسات بأنفسهم وتشجيع موظفيهم على القيام بذلك، عندما يرى الموظفون قادتهم يأخذون وقتاً للتنفس والتأمل، فإن ذلك يرسل رسالة قوية حول أهمية الصحة النفسية والتوازن في العمل. إن تبني نهج شامل يدمج التنفس والوعي في الثقافة التنظيمية لا يساعد فقط في مكافحة الاحتراق الوظيفي، بل يساهم أيضاً في خلق بيئة عمل أكثر إنسانية وإنتاجية، هذا النهج يعترف بأن الموظفين ليسوا مجرد موارد، بل هم بشر لديهم احتياجات نفسية وعاطفية يجب تلبيتها لتحقيق الأداء الأمثل.